فاطمة عطفة
تؤدي الفنون دوراً محورياً في التواصل الحضاري بين الثقافات المختلفة، وتصنع حواراً وجدانياً قبل أن يكون معرفياً واعياً. وفي إطار مبادرتها الرئيسية «مهرجان أبوظبي»، تسعى «مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون» لبناء جسور التواصل والتلاقي الحضاري والإنساني، وهو ما يتحقق عبر معرض «الوسائط المتعددة: كلنا دوائر مفتوحة» في منارة السعديات، المستمر حتى 30 يونيو المقبل.
يضم المعرض 48 عملاً لمبدعي فن الوسائط في كوريا، بداية من الروّاد أمثال نام جون بايك وبارك هيونكي، ووصولاً إلى أسماء معاصرة، منها لي بول، وهايغي يانغ، وأيونغ كيم، وموكا. كما يقدم المعرض مشهدية متكاملة للتجارب الفنية القائمة على فن الوسائط من كوريا تمتد من ستينات القرن الماضي إلى يومنا هذا، ويجسّد رؤية فنية رائدة لكبار فناني الوسائط المتعددة، والذين آمنوا يومها بظهور عالم مترابط بفعل التكنولوجيا والأجهزة التلفزيونية والإذاعية، وصولاً إلى شبكة الإنترنت والإنسان الآلي «الروبوت» الذي تتوسع استخداماته، ويتعمق حضوره يوماً بعد يوم في عالمنا المعاصر.
ويعكس المعرض التعاون المشترك بين مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومتحف «سيول للفنون» في كوريا، ويليه معرض آخر يقام في متحف سيول للفنون في كوريا، متضمناً أعمال أكثر من ثلاثين فناناً من الإمارات.
معرض «الوسائط المتعددة.. كلنا دوائر مفتوحة» يكشف كيف استخدم الفنانون الكوريون التقنيات المتطورة استجابة للتحولات الاجتماعية. ومن التجارب الطليعية في الفيديو والأداء إلى الاكتشافات المعاصرة في الواقع الافتراضي والروبوتات والزخرفة، وتكشف الأعمال عن دور فن الوسائط في مجال التحضر السريع والعولمة. وبينما تنتقل هذه التركيبات، بما فيها مجموعة مقتنيات متحف سيول للفن المعاصر (SeMA)، في رحلتها من كوريا إلى الإمارات العربية المتحدة، فإنها تدخل في دوائر جديدة من المعنى، تحمل آثار أصولها، وتفتح آفاقاً جديدة في عصرنا ومكاننا الحاليين.
يستقبل المعرض زواره بأعمالٍ رائدة من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ الفنانون الكوريون بتجربة التقنيات الجديدة في خضم تغيرات اجتماعية جذرية في قسمه الافتتاحي: «أن تنفتح الدوائر» والذي يقدم رواداً ساهمت مناهجهم المبتكرة في التعامل مع المواد والوسائط في تشكيل الفن الكوري المعاصر، ابتداء من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي – وهي فترة انتقالية عميقة في كوريا – جاب هؤلاء الفنانون التقاليد والأشكال الناشئة، متنقلين بين السياقات المحلية والدولية لفتح آفاق تكنولوجية وفلسفية واجتماعية جديدة. وأدت تجاربهم الرائدة في مجالات الإنارة الكهربائية والضوء والصور المتحركة والأداء والأنماط التكنولوجية والأجهزة كالتلفزيون إلى توجه فني مفاهيمي يقوم على أن تنفتح الدوائر السائدة من الممارسات الثقافية التقليدية على أنماط جديدة بالاستفادة من الإمكانيات الرقمية الناشئة. وقد أسست هذه الأشكال الهجينة مفردات مادية وجمالية مبتكرة، مزعزعة بذلك التقاليد الفنية، ومتجاوزة التيارات الحداثية السائدة.
ومن خلال الأفلام السردية، والأعمال التركيبية، والرسم الرقمي، والمناظر الصوتية الغامرة، ومحاكاة الألعاب، والتدخلات النحتية، يستكشف الفنانون تجارب مكانية معقدة. تتداخل المساحات، وتُعيد التدخلات الفنية ضبط الفضاء/ المكان في محلّه – موقعاً متعدد الطبقات للذاكرة والهوية والعلاقة.